إن الأزمة الكورية واحدة من أشهر الأزمات الدولية التي تعبر عن حالة المد والجزر في العلاقات الصينية الأميركية، والحديث عن الأزمة الحالية بمعزل عن مسار تطور هذه الأزمة المتكررة يعطي صورة منقوصة تسهم بتجهيل الفاعل وتزوير الحقائق.
بداية انضمت كوريا الشمالية طوعا لمعاهدة حظر انتشار السلاح النووي في العام 1985 - وهي المعاهدة التي لم ينضم إليها الكيان الصهيوني إلى يومنا هذا- وكانت باكورة نشاطها في هذا المجال في مفاعل يونغبيون في العام 1986، وبعد سبعة أعوام من إنطلاق نشاطها أي في العام 1993 إتهمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية كوريا الشمالية بإنتهاك معاهدة حظر انتشار السلاح النووي، وطالب هانس بليكس رئيس الوكالة الدولية آنذاك كوريا الشمالية بالسماح لمفتشي الوكالة بإجراء ما يعرف بـ"عمليات التفتيش الخاصة" على مخازن المخلفات النووية، وهي المرة الأولى بتاريخ الوكالة التي تطلب به إجراء هذا النوع من عمليات التفتيش، التي تطلب حينما تعتبر الوكالة الدولية أن الدولة المعنية تخفي معلومات ومعطيات مرتبطة ببرنامجها النووي، مع العلم أن كوريا الشمالية كانت قبل فترة وجيزة في إيلول من العام 1993 قد استقبلت مفتشي الوكالة الدولية في موقع يونغبيون في زيارتهم الثالثة لكوريا الشمالية، ما جعل كوريا الشمالية تعتبر هذا الطلب بمثابة استفزاز وتعدّ، وهو ما لم تسمح به وهددت بالإنسحاب من معاهدة حظر انتشار السلاح النووي، ما شكل المرحلة الأولى من الأزمة النووية الكورية الشمالية.
وكان من الملاحظ في هذه المرحلة السلوك الذي اعتمدته الإدارة الأميركية في عهد بيل كلينتون للتعاطي مع الأزمة الكورية الشمالية، حيث اختارت مسار المفاوضات الذي تكلل بالوصول إلى ما سمي بتفاهم جنيف في تشرين الأول من العام 1994، الذي تضمن تعليق الانسحاب من معاهدة حظر انتشار السلاح النووي وتجميد البرنامج النووي الكوري الشمالي، مقابل حصول كوريا الشمالية على الوقود الثقيل ومفاعلين نوويين يعملان بالمياه الخفيفة. وقد أكتفت الصين في هذا المرحلة من الأزمة بموقع المحايد، نظرا لسببين: الأول انشغالها بالعمل على مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية الداخلية، والثاني وضعها مجموعة من الملاحظات على السياسة الخارجية الأميركية تجاهها والتي عبر عنها وزير الخارجية الأميركية حينها وارن كريستوفر الذي اتهم الصين ببيع تكنولوجيا عسكرية لدول مضطربة، وبأنها تقوم بتجاوزات تجارية ساهمت بتحقيقها فائض ضخم في ميزانها التجاري مع الولايات المتحدة.
وهكذا طويت صفحة المرحلة الأولى من الأزمة الكورية بفعل اعتماد الولايات المتحدة آلية التفاوض المرن ومراعاة هواجس كوريا الشمالية مرحليا، بالإضافة إلى حياد الصين وعدم وضعها أي عراقيل بالرغم من انتقاد وهجوم الولايات المتحدة عليها.
المرحلة الثانية من الأزمة النووية الكورية الشمالية إنطلقت في العام 2002 بعد سنة واحدة من وصول جورج دبليو بوش إلى سدة الرئاسة الأميركية، وذكره كوريا الشمالية كجزء مما اسماه محور الشر، وإيقاف الحوار السياسي معها، ووضعها كهدف محتمل من ضمن أهداف الضربات النووية الاستباقية، ما أدى إلى انهيار اتفاق جنيف وعودة الأزمة النووية إلى نقطة الصفر من حيث المفاوضات، وانسحاب كوريا الشمالية من معاهدة منع انتشار السلاح النووي في كانون الثاني 2003 وهي الدولة الأولى في العالم التي فعلت هذا، وطردت المفتشين الدوليين التابعين للوكالة الدولية للطاقة الذرية من منشآت انتاج البلوتونيوم، وأزالة أجهزة المراقبة من منشآتها النووية، وأعادة تفعيل برنامجها النووي في مفاعل يونغبيون.
وعللت كوريا الشمالية إعادة تفعيل برنامجها النووي على قاعدة الردع نظرا للعدوانية الأميركية الدولة النووية، وقالت كوريا الشمالية إن حرب العراق اعطتنا درساً فمن أجل أن تمنع الحرب وتحافظ على أمن الدولة وتحافظ على سيادتها لا بد لك من أن تمتلك قوة ردع ملموسة وحسب، وبناء عليه تعمل كوريا الشمالية لامتلاك السلاح النووي.
في قمة التصعيد الكوري الشمالي غير المسبوق والذي لم يقم العراق بتاريخه بأي تصعيد يشبهه، وبعد أن فقدت إدارة جورج دبليو بوش القدرة على ضبط التوتر الناجم عن استفزازاتها سابقة الذكر، قال جورج دبليو بوش في السابع من شباط من العام 2003 للرئيس الصيني جيانغ زيمين لدينا مسؤولية مشتركة فيما يتعلق بكوريا الشمالية. وفي نفس السياق قال وزير الخارجية الأميركي كولن باول إن للصين نفوذا وتأثيرا كبيرا على كوريا الشمالية، فكوريا تعتمد على الصين بما يتعلق بالطاقة والنشاط التجاري بنسبة 80 %، وحث الصين على ممارسة دور فاعل لحل النزاع، وخلال زيارته للصين بتاريخ 24 شباط 2003 أشار كولن باول إلى أن الولايات المتحدة والصين متفقتان على حل هذا النزاع بالطرق السلمية والدبلوماسية - وهو ما لم يطبق في الحالة العراقية.
وهنا يطرح السؤال لماذا طلبت الولايات المتحدة من الصين التدخل؟ ولماذا وافقت الصين على التدخل؟
الولايات المتحدة طلبت من الصين التدخل لأنها تعتبرها ضالعة في برنامج كوريا الشمالية النووي بل وتعتبرها المزود الأساسي لها بالتقنية النووية عبر باكستان، فالصين سبق وزودت باكستان بالتقنية النووية. وبناء عليه كان الطلب الأميركي من الصين العمل على إقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن برنامجها النووي، كمن يطلب من المصدر الأساسي للبرنامج النووي الكوري الشمالي إيقافه.
أما الصين فقد وافقت على التدخل لعدة اعتبارات، فالصين لديها تخوف من محاولة الولايات المتحدة أن تعمل على زعزعة الاستقرار في كوريا الشمالية من أجل قلب النظام، ما قد يؤدي إلى خسارة منطقة عازلة بين قوات جيش التحرير الشعبي الصيني والقوات الأميركية نظراً لوجود القوات الأميركية في كوريا الجنوبية في عدة قواعد عسكرية، والصين من خلال دورها في الأزمة الكورية تروج صورتها كشريك فاعل على الساحة الدولية وغير معزول أو ضعيف التأثير، وتوكيل الولايات المتحدة للصين بهذا الملف بحسب الرؤية الصينية سيؤدي إلى تحجيم العلاقة الأميركية التايوانية ولا سيما على صعيد بيع السلاح الأميركي لتايوان، وسيؤدي لإضعاف التحالف الأميركي مع تايوان وكوريا الجنوبية، ولتعزيز الاستقرار والعلاقة الاقتصادية والنفوذ السياسي الصيني مع كوريا الشمالية.
بناء على ما تقدم أنطلقت الديبلوماسية الصينية للعمل على حل الأزمة واستطاعت كخطوة أولى أن تجمع الطرفين بضيافتها في نيسان 2003، لكن بفعل تشدد الولايات المتحدة في المفاوضات وإصرارها على التفاوض متعدد الأطراف بغية جمع كل الأطراف الممكنة ضد كوريا الشمالية، وهو ما كانت تتحسسه كوريا الشمالية وترفضه، لم يثمر اللقاء أي نتيجة معتبرة.
فأرسل الرئيس الصيني هو جينتاو نائب وزير الخارجية داي بينغو المقرب جدا من الرئيس الكوري كيم جونغ ايل في زيارة الى بيونغ يانغ وحمّله رسالة مفادها: إن الصين تعد بأنها ستعمل على المساهمة في حل الأزمة من خلال التوسط وتسهيل المفاوضات بين الجانبين ببالغ الجدية، وإنها ستزيد المساعدات الاقتصادية لكوريا الشمالية، وستقنع الولايات المتحدة بالتعهد بعدم التعدي مقابل إزالة الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية.
فاقتنع الرئيس الكوري الشمالي بالطرح الصيني وحمل نائب وزير الخارجية رسالة إلى الرئيس الصيني يقول فيها أنه قَبِلَ العرض الصيني لإعادة التفاوض مع الولايات المتحدة في ظل تفاوض متعدد الأطراف لكنه أصر على أن التفاوض الثنائي هو هدفه الأخير. وبناء على الجهود الصينية تم عقد الجولة الأولى من المفاوضات السداسية في بكين في آب من العام 2003، والتي ضمت الصين- كوريا الشمالية- الولايات المتحدة- كوريا الجنوبية- روسيا- اليابان، وكانت بداية مسار المفاوضات السداسية.
الاستفزازات الأميركية لكوريا الشمالية عرقلت مسار المفاوضات السداسية، فالإدعاء بأن جميع أطراف المفاوضات السداسية موافقون على الطرح الأميركي القائل بالتفكيك الكامل الذي يمكن التحقق منه وغير القابل للعودة عنه لبرنامج كوريا الشمالية النووي، كاد أن ينسف الجولة الثانية من المفاوضات التي عقدت في شباط من العام 2004. وقد جهدت الصين للحفاظ على استمرارية المفاوضات ومنعها من الانهيار خاصة في ظل السلوك التفاوضي الأميركي الذي كان يتسم بالتشدد والاستفزاز لكوريا الشمالية، فاستطاعت الصين الوصول إلى الجولة الثالثة منها في حزيران من العام 2004، لكن الجولة الرابعة من المفاوضات التي كانت مقررة في أيلول من العام 2004 لم تعقد، بعد أن رفضت كوريا الشمالية المشاركة فيها، وكانت المفاجأة الكورية الشمالية في 10 شباط 2005 حين صرح وزير الخارجية الكوري الشمالي أن كوريا صنعت سلاحاً نووياً، وأن كوريا الشمالية تعلق مشاركتها بالمفاوضات السداسية إلى أجل غير محدد، وفي شهر آذار أعلنت وزارة الخارجية الكورية الشمالية أن كوريا هي في حِلٍ من تعهدها بعدم القيام بتجارب نووية أو اطلاق صواريخ بالستية، وأعلنت كوريا الشمالية نفسها دولة نووية.
مرة جديدة لجأت الولايات المتحدة إلى الصين في هذه الأزمة، وقامت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس بزيارة للصين التقت خلالها القيادة الصينية، وقالت عقب اللقاء: "ناقشنا الأزمة الكورية الشمالية والمحادثات السداسية، وكررنا التزامنا المشترك لإيجاد حل دبلوماسي لهذه القضية النووية، وتحدثنا عن الدور الهام لجميع أعضاء المحادثات السداسية ودور الصين على وجه الخصوص، حيث لها دور مركزي في إقناع كوريا الشمالية أن أفضل وسيلة لتحسين علاقاتها مع بقية العالم هي العودة إلى طاولة المفاوضات وانهاء طموحاتها النووية، فلقد كرسنا جهودنا لإنجاح آلية المفاوضات السداسية، ومن المطلوب أن تعود كوريا الشمالية إلى طاولة المفاوضات وأن تكون جاهزة للتعاون البناء، لأن هذه القضية هي قضية تقلق الولايات المتحدة وبقية دول المنطقة، فعلى كوريا الشمالية أن تعلم أنها بمسارها هذا سيكون لديها مشاكل مع اليابان وكوريا الجنوبية والصين وروسيا وليس مع الولايات المتحدة وحسب، وإذا لم تتقدم المفاوضات علينا النظر إلى خيارات أخرى في النظام الدولي"، ما تم اعتباره تلميحاً باللجوء إلى مجلس الأمن الدولي.
وعقب تصريح وزيرة الخارجية رايس عاد الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش وقال: "إن رايس طرحت في الأيام الماضية خياراً محتملاً بالذهاب إلى مجلس الأمن الدولي، وهذا الخيار من الواضح أنه يحتاج موافقة الأطراف المعنية بالأزمة على اعتبار أن بعضهم لديه القدرة على الاعتراض على قرارات مجلس الامن من خلال الفيتو" وكان يقصد الصين.
إن الطرح الأميركي بالصيغة التي صدر بها والتي ربطت بين اللجوء إلى مجلس الأمن وموافقة الصين ما هدفت إلى إحراج الصين ودفعها للضغط أكثر على كوريا الشمالية لتتجاوب مع المفاوضات، وإلا فإظهار الصين بأنها قوة كبرى تعمل على حماية دولة مارقة ككوريا الشمالية -بحسب التصنيف الأميركي-، وتعطل عمل المنظمات الدولية في قضية تهدد السلم والأمن الدوليين، وفي حال تحقيق الولايات المتحدة لهذا الهدف يصبح دور الصين في السياسة الدولية يشكل تهديد للسلم والأمن الدوليين. مما يؤدي إلى ضرب عنصرين من أولويات الدبلوماسية الصينية وهما نشر صورة دولية مؤاتيه كعضو مسؤول في المجتمع الدولي وكقوة عظمى، وتعزيز ما تعتبره مصالحها الاقتصادية والسياسية في كوريا الشمالية تحديدا وشمال شرق آسيا عموما.
بدورها، سارعت الصين للرد على التحديات التي عطلت المشاركة الكورية الشمالية في المفاوضات السداسية من جهة، وتجاوز الفخ الأميركي الساعي لإظهارها كقوة كبرى تحمي دولة مارقة وتعطل عمل المنظمات الدولية، فأرسلت إلى كوريا الشمالية في منتصف شباط 2005 أي بعد خمسة أيام فقط من الإعلان الكوري الشمالي عن تصنيع سلاح نووي، وعن تعليق مشاركتها بالمفاوضات السداسية إلى أجل غير محدد، قيادياً رفيعاً في الحزب الشيوعي الصيني وانغ جيارو للتشاور، وأعقبت هذه الخطوة باستضافة رئيس الوزراء الكوري الشمالي باك بونج جو ونائب وزير الخارجية كانج سوك جو للمزيد من المشاورات في آذار ونيسان من العام 2005، ورفضت الصين الضغوط الأميركية لوضع عقوبات اقتصادية على بيونغ يانغ من أجل الامتثال والعودة للمفاوضات، خوفاً من أن الضغط على كوريا الشمالية قد يدفع الأزمة للخروج عن السيطرة، واستطاعت الصين تشكيل وحدة اتصال بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية سميت قناة نيويورك للحوار، من أجل إيقاف الحرب الكلامية بين الطرفين لاسيما بعد تسمية جورج دبليو بوش للرئيس الكوري الشمالي بالطاغية، وقول كوندوليزا رايس عن كوريا الشمالية انها مركز للاستبداد، ومن أجل وضع الأسس للعودة إلى طاولة المفاوضات، وقد حصل لقاءان بين الطرفين في أيار وحزيران 2005.
وقد حققت الوساطة الصينية هدفها حيث وفرت مخرجا للأزمة وتم عقد الجولة الرابعة من المفاوضات السداسية بمشاركة كوريا الشمالية في أيلول من العام 2005، وخلصت الجولة الرابعة إلى إصدار بيان مشترك أكدت فيه الأطراف الستة بالإجماع أن الهدف من المفاوضات السداسية هو نزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية بطريقة يمكن التحقق منها وبالطرق السلمية.
وأكدت بدورها كوريا الشمالية أنها ملتزمة بالتخلي عن كل الاسلحة النووية والبرامج النووية الحالية والعودة في وقت قريب إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
كما وأكدت الولايات المتحدة أنها لا تمتلك اسلحة نووية في شبه الجزيرة الكورية وليس لديها نية لمهاجمة أو غزو كوريا الشمالية بأسلحة نووية أو تقليدية.
وقالت كوريا الشمالية إن لديها الحق في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، وأعربت الأطراف الأخرى عن احترامها لهذا، ووافقت على مناقشة موضوع توفير مفاعل يعمل بالماء الخفيف لكوريا الشمالية في الوقت المناسب.واتفقت الأطراف الستة على اتخاذ خطوات منسقة لتنفيذ التوافق المذكور على مراحل وفقا لمبدأ التماثل بالتقيد ببنود الإتفاق وبالخطوات العملية لتنفيذه، كما واتفقت الأطراف الستة على عقد الجولة الخامسة من المحادثات السداسية في بكين في أوائل تشرين الثاني من العام 2005 في موعد يتم تحديده بالتشاور فيما بينهم.
تراجع التوتر بعد الوصول إلى البيان المشترك لم يستمر طويلا، فالولايات المتحدة رفضت توفير مفاعل يعمل بالماء الخفيف لكوريا الشمالية وتذرعت بعبارة توفيره بالوقت المناسب، في حين أن كوريا الشمالية طالبت بتوفير مفاعل يعمل بالماء الخفيف، واعتبرت أن البيان المشترك أتاح لها ذلك، وقالت أن توفير المفاعل هو من باب التناسب وهو ضمانة لبناء الثقة من أجل تخلي كوريا الشمالية عن برنامجها النووي، ومن ناحية أخرى هو تطبيق لمبدأ العمل بالعمل.
في خطوة أميركية جديدة في مسار استفزاز كوريا الشمالية وفي ظل التوتر القائم على خلفية الاختلاف حول توفير مفاعل يعمل بالماء الخفيف، أعلنت الولايات المتحدة عن تنفيذ عقوبات ضد بنك دلتا آسيا، بزعم أن بنك دلتا اسيا يساعد كوريا الشمالية في عمليات تزوير للعملة الأميركية وتبييض الأموال، بالمقابل طلبت كوريا الشمالية رفع العقوبات وإلا فأن كوريا الشمالية لن تنفذ الجزء المتعلق بها ببيان أيلول 2005، وبناء عليه علق مفعول البيان المشترك، وبالمحصلة لم تحقق الجولة الخامسة من المفاوضات السداسية التي عقدت في تشرين الثاني 2005 أي تقدم يذكر في تنفيذ بنوده. وأعلنت كوريا الشمالية أنها لن تشارك في جلسات المفاوضات السداسية مما أدى إلى توقف جديد للمفاوضات.
وفي الخامس من حزيران من العام 2006 أقدمت كوريا الشمالية على إطلاق سبعة صواريخ بالستية من بينها صاروخ بعيد المدى Taepodong-2 قادر على ضرب أهداف في الولايات المتحدة، وفي تشرين الأول من العام نفسه أجرت تجربتها النووية الأولى، وهي خطوة أحرجت الصين وشكلت معطوفة على تجربة الصواريخ البالستية خروج عن مبدأ التعايش السلمي التي تنادي به الصين، وشكلت تهديداً للإستقرار في شبه الجزيرة الكورية ما يشكل بدوره خطرا على مجموعة من الأهداف الصينية المرتبطة بتايوان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأميركية.
بناءً على ما تقدم ذهبت الصين والولايات المتحدة إلى مجلس الأمن لمحاسبة كوريا الشمالية على تجربتها النووية، لكن الصين أصرت على عدم استخدام القوة كي لا تخرج الأزمة عن السيطرة، ما أدى لتفعيل دور مجلس الأمن في هذه الأزمة لاسيما منذ حزيران 2006 وحتى تشرين الأول 2006، فخلال هذه الفترة تم إصدار القرارين 1695 و 1718 إلى جانب بيان رئاسي، وهذا التفعيل ترك أثره على الأزمة الكورية الشمالية من حيثية زيادة الضغط على كوريا من أجل التقييد ببنود البيان المشترك الذي تم التوصل اليه في أيلول 2005 في إطار المفاوضات السداسية، والركن الأبرز في التعاطي مع هذه الأزمة كان نجاح الصين بتكريس العمل تحت سقف الوسائل السلمية، وبالتالي ساهمت في حفظ الأمن والسلم الدوليين من هذه الحيثية، فقد صدر القرار 1695 تحت الفصل السادس والقرار 1718 تحت الفصل السابع لكن المادة 41 التي تتناول العقوبات الاقتصادية والديبلوماسية دون استعمال الوسائل العسكرية.
والتطور في دور مجلس الأمن في القضية الكورية كان له شرط أساس لتحقيقه وهو التعاون الصيني الأميركي، وتفسير موافقة الصين على اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي، وتصويت الصين مع القرارات التي صدرت تجاه كورية الشمالية له خلفيات سياسية واستراتيجية.
فالصين اعتبرت أن امتلاك كوريا الشمالية للأسلحة النووية سوف يضرب معاهدة منع انتشار السلاح النووي، التي تحفظ الاستقرار في النظام الدولي من خلال عدم زيادة عدد الدول التي تمتلك السلاح النووي أو الحفاظ عليه بالحد الأدنى، كما أن امتلاك كوريا الشمالية للأسلحة النووية قد يؤدي لسباق تسلح في شرق آسيا قد يشمل تايوان أيضا، وفي سياق متصل فامتلاك كوريا الشمالية للأسلحة النووية سيؤدي إلى تعقيدات في ميزان القوى في شمال شرق آسيا ويدفع كوريا الجنوبية واليابان إلى أحضان الولايات المتحدة مما قد يدفع الأخيرة للعب دور عسكري أكبر في المنطقة وهو ما يشكل تهديد استراتيجي للصين، ناهيك عن أن وقوع أي حادث نووي في كوريا الشمالية يعني تضرر الصين مباشرة.
وبالمحصلة كانت ثمرة تفعيل عمل مجلس الأمن الدولي الذي شكل ضغطاً إضافياً على كوريا الشمالية عودة التجاوب الكوري مع النشاط الديبلوماسي الصيني، ففي 31 تشرين الأول من العام 2006 أي بعد نحو أقل من ثلاثة أسابيع على صدور القرار 1718، أعلن وزير الخارجية الصيني أنه بنتيجة محادثات ثلاثية عقدت في بيكين بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية والصين سيتم استئناف المفاوضات السداسية قريبا، كما وعقد على هامش اللقاء الثلاثي لقاء ثنائي بين مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون شرق آسيا كريستوفر هيل وبين المندوب الكوري الشمالي وقال بعدها المندوب الأميركي بأن كوريا الشمالية كانت مهتمة بمعرفة إذا ما ستتناول المفاوضات العقوبات المالية التي وضعت عليها، وكوريا الشمالية لم تضع شروطاً مسبقة للعودة للمفاوضات.
وفي 13 شباط 2007 وصلت المفاوضات السداسية إلى بيان ينص على أن تتخذ الأطراف الستة خطوات منسقة من أجل تنفيذ بنود بيان أيلول 2005 وبالتناسب مع مبدأ العمل بالعمل، فكوريا الشمالية ستعمل على إغلاق وختم مفاعل يونغبيون، والولايات المتحدة ستبدأ محادثات ثنائية باتجاه تكريس العلاقات الديبلوماسية مع كوريا الشمالية، والولايات المتحدة ستزيل كوريا الشمالية عن لائحتها للدول المصنفة بحسب المعيار الأميركي كداعمة للإرهاب، والأطراف الستة سيتعاونون في مجال تقديم المساعدات الاقتصادية وفي مجال الطاقة لكوريا الشمالية، وهو الدور الذي أضطلعت به الصين منفردة بأغلب مراحل هذه الأزمة.
وهكذا طويت صفحة المرحلة الثانية من هذه الأزمة دون الوصول لمرحلة الإنفجار بفعل الجهود الديبلوماسية الصينية الاستثنائية السابقة الذكر، والتي وفرت توازناً استراتيجياً منع تكرار الخطوات العسكرية الأميركية التي حصلت في العراق بناءً على شبهة أسلحة الدمار الشامل المزعومة وجنبت الساحة الدولية مواجهة كان يمكن أن تكون نتائجها كارثية فيما لو وقعت بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، لكن لم تكن هذه المرحلة الصفحة الأخيرة من هذه الأزمة الكورية التي لا زالت تتأرجح ما بين التصعيد والتهدئة تفاعلا مع الخطوات الكورية حينا والأميركية حينا آخر.